الشركات السويدية تنتقل إلى الاقتصاد الأخضر
تساهم السويد في التحول الذي يشهده العالم إلى الاقتصاد الرقمي والصديق للبيئة. نشارككم هنا بعض الأمثلة.
تمتاز السويد بضخامة وتنوع بيئتها الابتكارية وتعدد الشركات التي تساهم في هذا المشهد. ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل منها توفر الدعم المالي للشركات الناشئة، فضلًا عن تقبل الحلول المبتكرة بنظرة منفتحة بشكل عام.
غير أن النقطة الأهم ربما هو ما يُعرَف عن السويد بالتخطيط طويل الأمد، وتحليل السناريوهات المختلفة التي قد تحصل في المستقبل، والتفكير الاستباقي. ولهذا السبب، بدأت الشركات السويدية تكتسب شهرة في القطاعات المتوقع أن تشهد نموًا في الأعوام المقبلة، ومن ضمن ذلك قطاعات الطاقة، والذكاء الاصطناعي، والنقل، والغذاء، والإنشاءات.
الشركات السويدية وتحدي الطاقة المستدامة
السويد دولة رائدة في مجال الطاقة الخضراء، حيث تصل نسبة الكهرباء من مصادر الطاقة غير الأحفورية إلى حوالي 98%، وتشكل مصادر الطاقة المتجددة أكثر من 70% من مصادر الطاقة هذه، والبقية تأتي من الطاقة النووية.
وتهدف الحكومة إلى أن يعتمد إنتاج الكهرباء بشكل كامل 100% على مصادر الطاقة غير الأحفورية بحلول عام 2040.
تساهم العديد من الشركات السويدية في الجهود الهادفة إلى الانتقال بالسويد إلى مصادر الطاقة الخضراء.
كور باور أوشن
ابتكرت شركة كور باور أوشن (CorPower Ocean) جهازًا لتحويل طاقة الأمواج إلى كهرباء، معتمدةً على خبرتها في مجال تكنولوجيا طاقة الأمواج وأربعين عامًا من الأبحاث في هذا المجال. واستلهمت مشروعها هذا من مبدأ الضخ الذي يقوم عليه عمل قلب الإنسان. بمقدور هذا الجهاز إنتاج كمية من الكهرباء تعادل خمس أضعاف ما تنتجه أحدث الابتكارات السابقة في مجال طاقة الأمواج عن كل طن من المعدات.
مُحول طاقة الأمواج هذا خفيف الوزن وكلفته منخفضة، وهو يحقق أقصى قدر من إنتاج الكهرباء المقرون بأداء فعال في ظروف المحيط القاسية.
ليكويد ويند
تتخصص شركة ليكويد ويند (Liquid Wind) في إنتاج الوقود الكهربائي المستدام (eFuel)، الذي يساعد على التخفيف من اعتماد عالمنا على مصادر الوقود الأحفوري.
تنتج الشركة مادة الميثانول الكهربائي (eMethanol)، وهو وقود سائل اصطناعي مصنوع من مصادر الطاقة المتجددة وثاني أوكسيد الكربون.
أقل ما يقال عن العملية الكيميائية لتحويل الطاقة المتجددة وثاني أوكسيد الكربون الأحيائي إلى وقود كهربائي أنها تتسم بالتعقيد. خلاصة الكلام هي أن هذا الوقود ذا كثافة عالية من الطاقة، أي أنه يحتوي كمية أكبر من الطاقة بالنسبة لحجمه مقارنة بالمصادر الأخرى. وهو أيضًا في حالة سائل عند درجة حرارة الغرفة وتحت الضغط، ما يعني سهولة تخزينه ونقله وتوزيعه.
يتميز الوقود الكهربائي كذلك بإمكانية إنتاجه على نطاق واسع لتلبية الطلب المتزايد على مصادر الوقود البديلة غير الأحفورية.
استخدامات الذكاء الاصطناعي في السويد
الذكاء الاصطناعي مجالاته واسعه جدًا ويثير ضجة إعلامية كبيرة لدى الحديث عن المستقبل. لكن إن وضعنا جانبًا السيناريوهات المثيرة للقلق والتى يستولي فيها الذكاء الاصطناعي على عالمنا، على غرار أفلام الخيال العلمي مثل فيلم تيرمينيتر وذا ميتريكس، فإن عالم تطبيقات الذكاء الاصطناعي هو في الحقيقة مدهش جدًا.
تشمل هذه التطبيقات ابتكارات متطورة مثل أول ذراع حيوية إلكترونية يتم تركيبها فوق المرفق طوّرها الباحثون في جامعة شالمرز للتكنولوجيا.
إليكتا
الذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل يساهم في علاج ورعاية مرضى السرطان، وبالذات في مجال العلاج بالأشعة. غير أن معظم حلول الذكاء الاصطناعي في مجال علم الأورام تفتقد إلى توفر البيانات الآنية حول تجارب المرضى التي قد تتيح توقع نتائج علاج كل مريض على حدة بشكل أكثر دقة.
حاولت شركة إليكتا سد هذه الفجوة من خلال إعداد أداة تواصل مع المرضى تتيح لهم إدخال البيانات الآنية باستخدام تطبيق مخصص لذلك. تبادل البيانات هذا من شأنه طمأنة المرضى وأخصائيي الأورام، وبذات الوقت لا يضطر الأطباء إلى إدخال البيانات بشكل يدوي. وبإمكان خورازمية التعلم الآلي الاستفادة من مجموعات البيانات الضخمة هذه لوضع توقعات أكثر دقة بشأن نتائج علاج المرضى.
آينرايد
المحطة القادمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي هي قطاع النقل. هذا ما تقوم به شركة آينرايد التي تأسست عام 2016 بهدف تغيير كيفية عمل الشحن البري بشكل نهائي، حيث أن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي يتسبب بها الشحن البري تبلغ 7% من الانبعاثات عالميًا. الحل الذي طورته شركة آينرايد لمواجهة هذه المسألة هو النقل الكهربائي الذاتي.
ابتكرت الشركة شاحنة كهربائية ذاتية القيادة، وبدأ تشغيلها على الطرقات العامة في السويد سنة 2019، وفي سنة 2022 أصبحت شركة آينرايد أول شركة تقوم بتشغيل المركبات الكهربائية ذاتية القيادة في الولايات المتحدة الأمريكية.
تستخدم منصة آينرايد للتحكم بنقل الشحن البيانات والذكاء الاصطناعي لتنسيق الحركة في نظم النقل والموصلات. ذلك يعني أن أسطول المركبات الكهربائية ذاتي القيادة ويشرف على تشغيله الموظفين البشر عن بعد.
الشركات السويدية تكهرب قطاع النقل
يعمل حاليًا قطاع النقل في السويد بجهد لكي يصبح الوقود الأحفوري شيئًا من الماضي وينشط هذا القطاع في ابتكار حلول تنقل مستقبلية أكثر ذكاء.
من المتوقع أن يصل عدد المركبات القابلة للشحن المستخدمة في السويد 2.5 مليون مركبة بحلول عام 2030. ومن المتوقع بالتوازي مع ذلك أن يزداد استهلاك الكهرباء بنسبة 60% بحلول عام 2045.
إلا أن السباق لكهربة قطاع النقل لا يقتصر على التنقل البري.
كانديلا
وفقًا لشركة كانديلا، يستهلك القارب العادي بطول سبعة أمتار ونصف كمية كبيرة من وقود البنزين تزيد عما تستهلكه السيارة العائلية. وقد تأسست شركة كانديلا السويدية بهدف التسريع من تحول وسائل النقل في البحيرات والمحيطات إلى الوقود غير الأحفوري.
تمكنت شركة كانديلا من رفع سقف حدود أداء المركبات الكهربائية من خلال تبنيها مفاهيم جديدة لفكرة كفاءة النقل البحري. وما حدث هو أن الشركة ابتكرت ما يمكن وصفه بالسفينة الطائرة!
يبلغ طول قارب “بي-12” الذي طورته شركة كانديلا اثني عشر مترًا ًوهو أول قارب كهربائي عالي السرعة وواسع المدى في العالم. هذا القارب الذي تدفعه الحوامات المركبة عليه يبحر مرتفعًا قليلًا فوق سطح الماء، بل يمكن القول أنه يطير. وتصل سرعته أكثر من عشرين عقدة في الساعة، ويستهلك طاقة أقل من القوارب التقليدية بنسبة 80%.
في صيف عام 2024، سيتم وضع قارب كانديلا في الخدمة على أحد المسارات البحرية في نظام المواصلات العامة في مدينة ستوكهولم.
هارت أيروسبيس وغرين فلايت أكاديمي
تسعى بعض الشركات السويدية إلى بناء طائرات كهربائية، ومن هذه الشركات هارت أيروسبيس ومقرها مدينة غوتنبرغ، حيث تعمل على تطوير طائرة “إي إس 30” وهي طائرة ركاب للرحلات القصيرة تتسع لثلاثين راكبًا من المتوقع أن تحقق القدرة على الطيران لمسافة 200 كيلومتر باستخدام الكهرباء بشكل كامل ودون أي انبعاثات بحلول عام 2028.
ثمة شركات أخرى قررت الاضطلاع بأدوار أخرى، ومنها شركة غرين فلايت أكاديمي في شمال السويد. تركز أكاديمية الطيران هذه على مسألة الاستدامة في دورات التدريب على الطيران التي تنظمها، حيث يتم إتمام 30% من ساعات التدريب على متن طائرات كهربائية.
بالنسبة لأكاديمية غرين فلاين أكاديمي، فإن الطيران وسيلة أساسية للتواصل بين البشر، ولكن لا بد من التخفيف من وطأة البصمة البيئية للسفر جوًا. وتمهد الأكاديمة الطريق أمام طياري المستقبل عن طريق تدريبهم على قيادة مختلف الطائرات الكهربائية والتعامل مع مختلف الظروف على متنها، وهي بهذا تساهم في مستقبل الطيران الكهربائي.
شركات سويدية تغير من صناعة الأغذية
يمثل قطاع الصناعات الغذائية أحد أكبر القطاعات في السويد. وتتمثل استراتيجية السويد الغذائية بشكل عام في زيادة الإنتاج الغذائي بالتوازي مع جعله أكثر مراعاة للبيئة، واحد الأهداف في هذا السياق هو التركيز على استخدام المنتجات المحلية.
ثمة الكثير من الشركات السويدية التي تساهم بشكل مبتكر في زيادة استدامة الإنتاج الغذائي، وتأثيرها عالمي.
فولتا غرينتيك
قد يجهل، أو يتجاهل العديد منا حقيقة أن البقر الذي نربيه لنأكل لحمه هو مخلوق يتجشأ ويطلق الريح. ليس فقط هذا، بل إن البقر يطلق كمية كبيرة من الغازات لدرجة أنهيشكل مصدرًا هامًا لانبعاثات غاز الميثان.
شركة فولتا غرينتيك مًن طرفها قررت ليس فقط أن تتوقف عن غض النظر عن ذلك، بل قررت كذلك أن تحاول تعديل هذا الوضع. كيف؟ باستخدام الطحالب البحرية. أجل، هذا صحيح، الطحالب البحرية.
استحدثت شركة فولتا غرينتيك مادة غذائية اسمها لوم، وهي عبارة عن مكمّل غذائي مصنوع من الطحالب البحرية يقلل من انبعاثات غاز الميثان المعوية بنسبة تصل إلى 90% لدى استهلاك البقرة لجرعة وزنها 100 غرام.
الطحلب البحري المستخدم في هذه المادة اسمه أسباراغوبسيس، وهو يحتوي على كمية كبيرة من المركّبات النشطة بيولوجيًا التي تمنع بشكل طبيعي إنتاج الميثان المعوي. عفوًا، نقصد بذلك أنها تمنع البقرة من إطلاق الريح!
ميلت آند ماربل
ثمة أخبار جيدة للنباتيين، فشركة ميلت آند ماربل تنتج لحم برغر خالي من المنتجات الحيوانية مذاقه يضاهي لحم شطيرة البرغر الذي يتم تحضيره من لحم البقر. ما سر هذا المذاق؟ الإجابة هي الدهون.
شركة ميلت آند ماربل تعيد تكوين خصائص الدهون الحيوانية المرغوب بها من خلال عملية تخمير دقيقة. تقوم هذه العملية على إعادة برمجة التمثيل الغذائي الميكروبي وتغيير بنية وخصائص الدهون التي تنتجها هذه الميكروبات.
تهدف الشركة إلى إنتاج منتج غذائي مستدام وخال من المنتجات الحيوانية يضاهي في مذاقه الدهون الحيوانية. منتج كهذا يمكن تناوله دون الشعور بالذنب، ما عدا في حال اتباع حمية غذائية!
شركات سويدية تعيد تشكيل قطاع الإنشاءات
يشكل قطاع الإنشاءات حوالي واحد على عشرة من الناتج المحلي الإجمالي في السويد. ولطالما تسبب قطاع الإنشاءات عالميًا بحصة كبيرة من انبعاثات الكربون. لا بد من تغيير الوضع القائم إن أردنا بناء مستقبل أفضل.
سيم فيجن
سيم فيجن شركة سويدية ناشئة تنمو بشكل سريع، وقد قررت أن تعيد ابتكار المادة الأكثر استعمالًا في مجال البناء.
اخترعت شركة سيم فيجن مادة بديلة للإسمنت التقليدي، حيث طورت مادتين رابطتين اسمنتيتين مصنوعتين من المخلفات الصناعية بدلًا من الحجر الجيري المستخرج لغاية صناعة الإسمنت. يعني ذلك خلو عملية الإنتاج من معظم انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وتجنب استخراج المواد الخام.
يضاف إلى ذلك قيام الشركة بكهربة عملية الإنتاج، ما من شأنه الحد من الانبعاثات الناتجة عن عملية الإنتاج نفسها بنسبة ما بين 30% و40% من مجمل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المرتبطة عادة بتصنيع الإسمنت.
هيبرت
شركة هايبرت، واسمها اختصار لتسمية “التكنولوجيا المتقدمة لصناعة الحديد الصلب باستخدام الهيدروجين”، هي مشروع مشترك ما بين شركة تصنيع الصلب السويدية “إس إس آ بي” وشركة التعدين “إل كا آ بي”، وشركة إنتاج الكهرباء فاتّن فال، وهاتين الأخيرتين تملكهما الحكومة السويدية. تسعى هذه الشركات الثلاثة معًا إلى إلغاء الطاقة الأحفورية بشكل تام من عملية إنتاج الصلب بحلول عام 2045.
ما يميز هذه العملية هو استخدام الهيدروجين والكهرباء الخالية من الوقود الأحفوري بدلًا من الفحم المستعمل عادة في إنتاج الصلب الخام، وهو ما ينتج عنه الماء كمنتج ثانوي بدلًا من ثاني أوكسيد الكربون.
في عام 2021، أنتج مشروع هايبرت أول شحنة من الصلب الخالي من الوقود الأحفوري لصالح شركة شاحنات فولفو السويدية، كمرحلة تجريبية. وتسعى الشركة بحلول عام 2026 إلى تزويد الأسواق بالصلب الخالي من الوقود الأحفوري، ومن ثم الانطلاق في عملية إنتاج كاملة النطاق بحلول عام 2035.
ما المطلوب إذًا؟ العمالة الماهرة!
تثابر السويد بقوة على التحول إلى الاقتصاد الأخضر المراعي للبيئة مستندة إلى الأفكار المبدعة والعمالة الماهرة. فالشركات السويدية تبحث دومًا عن أصحاب المواهب، والآن أكثر من قبل. تذكروا ذلك لدى التفكير في القيام بخطوة جديدة في حياتكم!