فتاة ترتدي زي القديسة لوسيا تُرى من الخلف، وأمامها جوقة لوسيا داخل كنيسة.
من قلب الظلام.. لوسيا تضيء شتاء السويد. الصورة: Henrik Trygg/Johnér/imagebank.sweden.se

الاحتفال بعيد لوسيا

تقليد سويدي يحوّل أطول ليلة في العام إلى مهرجان للنور

لوسيا.. حاملة النور في قلب الشتاء السويدي

بينما يحتفل السويديون بعيد منتصف الصيف في أبهى مظاهره، يظل يوم الاحتفال بالقديسة لوسيا في 13 ديسمبر واحدًا من أكثر التقاليد السويدية سحرًا وتميزًا. هذا الاحتفال العريق، الذي يعود بجذوره إلى المجتمعات الريفية القديمة، يجسد صراع الحياة بين الظلام والنور، وبين برد الشتاء ودفء المشاعر.
لوسيا ليست مجرد مناسبة، بل رمز أسطوري لحاملة النور في أحلك أيام الشتاء. ومع بزوغ الفجر، تنطلق المواكب المضيئة بالشموع، حيث تتقدم فتاة ترتدي ثوبًا أبيض وتضع إكليلًا من الشموع على رأسها، يتبعها صف من الفتيات والشبان في مشهد يفيض بالهدوء والجمال.
اليوم، لا يقتصر الاحتفال على الكنائس والمدارس، بل أصبح جزءًا من الهوية الثقافية السويدية، حيث تتردد الأناشيد التقليدية وتُقدَّم كعكات الزعفران الشهيرة، في طقس يبعث الدفء في قلوب الناس وسط ليالي الشتاء الطويلة.

أثواب بيضاء طويلة في كل أنحاء البلاد

في كل أنحاء السويد، من المدارس ورياض الأطفال إلى الكنائس وأماكن العمل والساحات العامة، تتجلى مواكب لوسيا في أشكال متنوعة تضفي على الشتاء لمسة من الدفء والجمال.
تشارك في هذه المواكب فرق الأطفال والجوقات الشبابية وجوقات الكبار، من الهواة المتحمسين إلى المحترفين، جميعهم يرتدون الأثواب البيضاء الطويلة التي أصبحت رمزًا لهذا التقليد العريق.

وبحسب التقليد، يجب أن ترتدي لوسيا «النور في شعرها»، والذي يعني اليوم عادةً تاجًا من الشموع الكهربائية مثبتًا في إكليل على رأسها. وتحمل كل وصيفة من وصيفاتها شمعة أيضًا.
أما «أولاد النجوم»، الذين يرتدون أثوابًا بيضاء مثل الوصيفات، فيحملون نجومًا مثبتة على عصي، ويضعون على رؤوسهم أقماعًا ورقية طويلة. وفي نهاية الموكب، يأتي «أقزام عيد الميلاد» حاملين فوانيس صغيرة، ليكتمل المشهد المضيء الذي يبعث الدفء في قلب الشتاء.

أناشيد النور تهزم ظلام الشتاء

خيط واحد يربط بين الأناشيد التقليدية التي تُنشد خلال احتفالات لوسيا: انتصار النور على الظلام مع ظهور لوسيا.
ومن بين هذه القطع الموسيقية، تبرز أغنية لوسيا الرئيسية التي يعرفها كل سويدي تقريبًا عن ظهر قلب. تقليديًا، تُستخدم هذه الأغنية في افتتاح المواكب وختامها، حيث يدخل المشاركون ويخرجون على أنغامها:
ترجمة المقطع الأول:
الليل يخطو بثقل
حول الساحات والمنازل.
في أماكن لم تصلها الشمس،
تتربص بها الظلال.
إلى بيتنا المظلم تأتي،
حاملة الشموع المضيئة،
سانتا لوسيا، سانتا لوسيا.

حلويات لا غنى عنها في احتفال لوسيا

لا يكتمل أي احتفال بلوسيا دون الحلويات التقليدية التي يعتبرها الكثيرون جزءًا أساسيًا من الطقس. أبرزها بسكويت الزنجبيل وكعكات الزعفران الشهيرة المعروفة باسم لوسيكاتر (Lussekatter)، والتي تُشكّل على هيئة قطط ملتفة الذيل وتزينها حبات الزبيب كعيون. تُقدَّم هذه الحلويات عادةً مع مشروب الغلوغ السويدي، وهو نبيذ متبل يُقدَّم ساخنًا، وتتوفر منه نسخ خالية من الكحول، أو مع القهوة والشاي.

أصول الاحتفال بعيد لوسيا

يبدو أن تقليد لوسيا في السويد مزيج من عدة جذور تاريخية. يمكن تتبع هذا التقليد إلى القديسة لوسيا من سيراكيوز التي توفيت عام 304 ميلاديًا، وإلى أسطورة سويدية قديمة تعتبر لوسيا الزوجة الأولى لآدم.
في التقويم القديم، كانت ليلة الاحتفال بالقديسة لوسيا أطول ليالي السنة، وكان يُعتقد أنها ليلة خطرة تخرج فيها الكائنات الخارقة وتتكلم الحيوانات. مع بزوغ الفجر، كان يجب إطعام الماشية جيدًا، وكذلك الناس الذين كانوا يُنصحون بتناول سبعة أو تسعة وجبات إفطار دسمة. أما آخر شخص يستيقظ في ذلك الصباح فكان يُلقب بـ«لوسه القملة» ويتعرض لضربات خفيفة على الساقين بأغصان البتولا في طقس مرح.
في الريف السويدي في الماضي، اعتاد الشباب التنكر في هيئة شخصيات لوسيا (Lussegubbar) والتجول بين البيوت وهم يغنون ويطلبون الطعام والمشروبات الروحية.

كيف تغيّر تقليد لوسيا في العصر الحديث

أول ظهور مسجل للوسيا مرتدية الثوب الأبيض كان في أحد المنازل الريفية عام 1764. لكن العادة لم تنتشر على نطاق واسع إلا في أوائل القرن العشرين، حين بدأت المدارس والجمعيات المحلية في الترويج لها.
مع الهجرة إلى المدن، اختفت معظم العادات القديمة، وأصبحت مواكب لوسيا بالأثواب البيضاء والأناشيد أكثر قبولًا وانضباطًا من الاحتفالات الصاخبة السابقة.
أعلنت ستوكهولم عن اختيار أول فتاة تمثل لوسيا رسميًا عام 1927، أما عادة تقديم القهوة وكعكات الزعفران فقد بدأت في عام 1880.