راؤول فالنبرغ: مُنقذ الآلاف
رجلٌ ما زالت قصته تُلهم العالم وتُذَكرُنا بأن كلّ فرد يحمل مسؤولية في مكافحة التمييز العنصري.
راؤول فالنبرغ - مقتطفات من سيرته الذاتية
تاريخ الميلاد: 4 أغسطس/آب عام 1912
مكان الميلاد: ليدينغو، ستوكهولم
المؤهلات العلمية: شهادة في الهندسة المعمارية من جامعة ميشيغان، عام 1935
تاريخ الوصول إلى بودابست: يوليو /تموز 1944
تاريخ السجن: يناير/ كانون الثاني 1945
تاريخ الوفاة المزعوم: 17 يوليو /تموز 1947
كيف تَمكّن رجل واحد من إنقاذ آلاف الأرواح؟
” لم يكن راؤول فالنبرغ بطل بالمعنى التقليدي، لكنه كان شجاعًا ومفاوضًا ماهرًا ومنظمًا”. هكذا وصفه الدبلوماسي السويدي بير أنغر (1913-2002)
البداية كانت في عام 1944 عندما أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية مُنظمة تُسمى “مجلس لاجئي الحرب” وكانت مهمتها الرئيسية إنقاذ اليهود من اضطهاد النازيين. وعندما أدرك المجلس أن السويد تبذل محاولات جادّة لإنقاذ اليهود في المجر، شرعت في البحث عن شخص يستطيع أن يساعد المنظمة في إطلاق عملية إنقاذ كُبرى في عاصمة المجر، بودابست، وعُرضت هذه الوظيفة على الدبلوماسي ورجل الأعمال راؤول فالنبرغ الذي قَبِل بها بالرغم من خطورتها وتم تعيينه في يونيو/حزيران 1944 كسكرتير مُفوض للبعثة الدبلوماسية السويدية.
وقبل وصول فالنبرغ إلى بودابست، كان ڤالديمار لانجليت، وهو مندوب من الصليب الأحمر السويدي، يقوم بمساعدة المُفوضية السويدية. حيث كان يستأجر لانجيلت مباني باسم الصليب الأحمر ويضع عليها لافتات لا تثير الشكوك مثل “المعهد السويدي للأبحاث” أو ”المكتبة السويدية” واستخدمت هذه المباني كملاجئ إنقاذ لليهود للاختباء بها واستمر فالنبرغ بعد وصوله بوداست في يوليو/تموز 1944 في تأجير المزيد من ملاجئ الانقاذ ليصل عددها إلى 32 ملجأ.
وكانت أول خطوة قام بها في عملية الإنقاذ تصميم جواز سفر سويدي للحماية باللونين الأزرق والأصفر والشعار السويدي في المنتصف، وزَوّدها بالطّوابع والإمضاءات المناسبة، مُستغلاً ضعف البيروقراطيّين الألمان والمَجَريّين في فهم الرموز. تَمَكّن فالنبرغ من إقناع وزارة الخارجية المجريّة بطباعة 4500 جواز حماية، إلا أنه في الحقيقة استطاع إصدار ثلاثة أضعاف ذلك العدد. وعندما ساءت الظروف في نهاية الحرب العالمية الثانية، أصدر فالنبرغ نسخةً مبسّطة من جواز السفر تحمل إمضاءه فقط وقد نجح في هذه الخطوة أيضًا.
استخدم فالنبرغ أساليب غير تقليدية ،مكّنته في هذه الظروف من تحقيق أهدافه وإنقاذ المزيد من الأرواح، كاللجوء إلى استخدام الرشوة. وبالرغم من تشكك الدبلوماسيين الآخرين في المفوضية السويدية في البداية من أساليبه غير التقليدية، إلا أن جهوده أسفرت عن نتائج إيجابيه مكّنته من تَلقي دعمًا سريعًا أسفر عن التوسع في عملياته الإنقاذية.
وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1944 حرك أدولف أيشمان، العقيد في القوات الخاصة الألمانية، سلسلة من مسيرات الموت أجبر فيها الآلاف من اليهود علي ترك المجر سيراً على الأقدام تحت ظروف بالغة القسوة، إلا أن فالنبرغ نجح في مساعدة الكثير منهم عن طريق توزيع جوازات الحماية والطّعام والدّواء.
في يناير/كانون الثاني عام 1945 وصل جيش الاتحاد السوفيتي إلى بودابست. وفي 17 يناير/كانون الثاني من العام نفسه، تم اعتقال فالنبرغ من قبل القوّات السّوفييتيّة.
رحلة البحث عن راؤول فالنبرغ
بَقي مصير راؤول فالنبرغ مجهولاً منذ لحظة اعتقاله على يد القوات السوفيتيه حتى الآن. وفي أوائل الخمسينيات، أفادت شهادات أسرى الحرب العائدين أنهم قابلوا فالنبرغ في السجن في موسكو، الأمر الذي أدى إلى إحياء الجهود السويدية مفي البحث عنه. وفي عام 1957 صدر عن الاتحاد السوفيتي معلومات جديدة تُفيد بأنهم قد وجدوا وثيقة مكتوبة باليد بتاريخ 17 يوليو/تموز 1947 أفادت أن “السّجين فالنبرغ…مات اللّيلة الماضية في زنزانته”.
تشككت السويد من الرواية السابقة بينما التزم بها الاتحاد السوفيتي لما يزيد عن 30 عاماً. وفي أكتوبر عام 1989، أدت مُطالبات الحكومة السويدية وعائلة فالنبرغ إلى تَقَدُم جديد، وتم دعوة ممثلي العائلة إلى موسكو لإجراء محادثات وحينها تم تسليمهم جواز سفر فالنبرغ ومفكرة الجيب الخاصة به وأملاكه الأخرى وفيما يبدو أنها وُجِدت أثناء إجراء بعض التصليحات في مبني المخابرات السوفيتية.
وبعد سنتين من هذا التاريخ، اتفقت الحكومتان السوفيتية والسويدية على تعيين لجنة مشتركة لتقصي الحقائق بشأن مصير فالنبرغ وتم نشر تقارير اللجنة في يناير/كانون الثاني عام 2001. ولكن لم يؤدّ العمل الجماعي إلى الوصول إلى أي إجابات حاسمة، وبقيت الكثير من الأسئلة الكثيرة المهمّة بدون إجابة، وبقي معها ملف فالنبرغ مفتوحًا حتى يومنا هذا.
جوائز تمنح تخليداً لذكرى راؤول فالنبرغ
جائزة راؤول فالنبرغ
تُمنح جائزة راؤول فالنبرغ لشخص في السويد يتبع نهج راؤول فالنبرغ، لزيادة الوعي بين الأطفال والشباب من أجل مكافحة الكراهية والعنصرية والعمل علي قيم المساواة وحقوق الإنسان.
الجائزة وقيمتها 100 ألف كرونة سويدية أي ما يعادل حوالي 10 الآف يورو هي مبادرة من الحكومة السويدية والبرلمان المجري ومجلس أوروبا بدأت في عام 2014.
جائزة شجاعة الصغار
تُمنح جائزة شجاعة الصغار Young Courage Award الدولية للمرة الأولى عام 2021، وهي بمثابة اعتراف غير سياسي بالشجاعة الأخلاقية والإنسانية. تهدف الجائزة التي تقدم للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 20 عامًا إلى تسليط الضوء على الإنجازات في مجتمعات المدنية . تسمى الجائزة السويدية المشابهة Ungt Kurage أو جائزة الشجاعة للشباب.
ميدالية فالنبرغ
هي جائزة تقدم تقديراً للجهود الإنسانية الاستثنائية وتمنحها وقف فالنبرع التابع لجامعة ميشيغان في الولايات المتحدة منذ عام 1990.
من مهندس معماري لدبلوماسي
تُعتبر عائلة فالنبرغ من أحد أبرز العائلات في السويد ومن سلالتها خرج أجيال من كبار المَصرَفيين والدبلوماسيين ورجال الدولة وكان والد راؤول هو ابن عم كل من ياكوب فالنبرغ وماركوس فالنبرغ، اثنين من رجال المال والصناعة الأكثر شهرة في السويد في القرن العشرين. ولقد كان مُخططاً لراؤول أن يتّبع خطى عائلته في أن يدخل مجال العمل المصرفي، لكنه أظهر اهتمامًا أكبر بالعمارة والتجارة.
وبالفعل في عام 1931 سافر راؤول لدراسة الهندسة المعمارية في جامعة ميتشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية حيث درس هناك أيضاً اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية. وفور عودته إلى السويد في عام 1935، وجد أن درجته الجامعية الأمريكية لا تعطي له الحق في ممارسة العمل كمهندس معماري في السويد، لذلك سافر فالنبرغ للعمل بين عامي 1935و 1936 في فرع بنك هولندا في مدينة حيفا. وخلال هذا الوقت، بدأ اتصاله باليهود الذين فروا من ألمانيا واسمع قصصهم التي أحدثت تآثيراً عميقًا في نفسه.
وعند عودته إلى ستوكهولم حصل فالنبرغ على وظيفة في شركة أوروبا الوسطى للتجارة وهي شركة استيراد وتصدير، مملوكة من قبل كالمان لاوير، والتي جعلت مهارات فالنبرغ اللغوية وحقيقة كونه يستطيع السفر بحرية حول أوروبا، الشريك الأمثل في الأعمال للاوير. ولم يمض وقت طويل حتى أصبح مساهماً رئيسياً في الشركة والمدير الدولي لها. وكانت من العوامل الهامة في بناء شخصيته أسفاره إلى فرنسا المحتلة و ألمانيا التي علمته كيفية التعامل مع البيروقراطيّة الألمانيّة، وهي معرفة أثبتت قيمة كبيرة فيما بعد. وكان فالنبرغ أيضاً ممثلاً موهوباً وكان ذلك عوناً كبيراً له عند تعاملاته مع النازيين. وكان بإمكانه أن يكون هادئاً وظريفاً ووديعاً، أو عدوانياً ومخيفاً. كما كان يتملق ويرشو أو يصيح ويهدد حسب السياقات المختلفة مما أثار إعجاب النازيين وجعلهم يرضخون لمطالبه. وكان العامل الهام الآخر هو وضعه كدبلوماسي سويدي ولذلك لم يجرؤ الألمان على التعرض له.