بيت العطلة السويدي
جيلًا بعد جيل، يستمر تَعلُق السويديين بالأكواخ الريفية
يُعدّ الانتقال المؤقت إلى بيت العطلة تقليدًا متأصلًا في وجدان السويديين.
ففي الماضي، لم يكن السفر إلى الخارج خيارًا ميسورًا كما هو اليوم؛ إذ كانت تكاليفه مرتفعة. لكن السويديين وجدوا البديل في قلب طبيعتهم الخلابة: أراضٍ وفيرة ومتاحة بسهولة، دفعتهم إلى بناء مساكن صيفية بسيطة، غالبًا ما شُيّدت قرب البحيرات أو السواحل، لتكون ملاذ صيفي هادئ يفرّون إليه مع قدوم الموسم الدافئ.
ووفقًا لمصلحة الإحصاءات السويدية، يوجد اليوم أكثر من 600 ألف بيت صيفي خاص في مختلف أنحاء البلاد، مما يعكس عمق هذا التقليد وانتشاره الواسع.
لكن ما السر في بيوت العطلات الذي لا تزال تحتل مكانة خاصة في قلوب السويديين، جيلاً بعد جيل؟
المناطق المفضلة لمنازل العطلات
من بين أكثر المناطق شهرة في السويد لامتلاك البيوت الصيفية: أرخبيل ستوكهولم، ومقاطعة سكونه، وجزيرتي أولاند وغوتلاند، والساحل الغربي، ومقاطعة سمولاند.
بساطة العيش
يحظى بعض السويديين بفرصة ثمينة: بيت صيفي ورثته العائلة جيلاً بعد جيل، بينما يتمكن آخرون من شراء منزلهم الريفي الخاص، ليتحول إلى ملاذ مثالي بعيدًا عن صخب المدينة وضغوطها.
وقد شُيّدت معظم بيوت العطلات في السويد بطابع متقشف وبسيط؛ بلا مياه ساخنة، وأحيانًا بلا مياه على الإطلاق، دون صرف صحي أو عزل حراري أو كهرباء. لكن هذا النقص في الكماليات لم يكن عيبًا، بل كان أحد أهم أسباب جاذبيتها – فهي تمثل عودة إلى الأساسيات، إلى البساطة.
إلا أن الزمن لا يبقى على حاله… والتغيير قادم لا محالة.
البيت الصيفي… ملاذ على مدار العام
لم يعد بيت الصيف مقتصرًا على العطلات الصيفية فحسب؛ فمع تهيئته جيدًا لفصل الشتاء، يمكن أن يتحوّل إلى وجهة يقصدها السكان طوال العام.
وفي ظل تزايد الكثافة السكانية في المدن وارتفاع أسعار العقارات، باتت العديد من البيوت الصيفية – التي كانت يومًا ما ملاذًا ريفيًا هادئًا – تقع اليوم ضمن مسافة معقولة من أماكن العمل، مما يجعلها خيارًا سكنيًا مغريًا. ولهذا السبب، يتجه كثيرون إلى تطوير بيوتهم الصيفية وتحسينها لتكون صالحة للعيش حتى في الأجواء الباردة.
بل إن البعض بات يختار العمل عن بُعد من بيت العطلات بين الحين والآخر، إذا سمحت طبيعة العمل وسياسة التوظيف بذلك.
خارج الخدمة… وداخل الكوخ!
دعونا نتحدث أكثر عن جوهر العطلة الصيفية! فالصيف في السويد ليس مجرد فصل عابر، بل هو فترة شبه مقدسة؛ يحصل فيها الأطفال على أكثر من شهرين من الإجازة المدرسية، بينما ينعم الكثير من البالغين بعطلات تمتد بين أربعة إلى ستة أسابيع. ففي ضوء الأيام المشرقة والليالي البيضاء، يجد السويديون فرصة نادرة لشحن طاقاتهم استعدادًا لفصل الشتاء الطويل والمظلم.
وخلال الفترة الممتدة من عيد منتصف الصيف (Midsommar) وحتى منتصف أغسطس، تمتلئ البيوت الصيفية في جميع أنحاء البلاد بالمصطافين. وغالبًا ما تشارك العائلات هذه البيوت مع الأقارب، وهي ميزة يتعامل معها الناس بأساليب مختلفة؛ فبعضهم يفضل السكن المشترك مع الأهل لعدة أسابيع، في حين يختار آخرون تقسيم الأسابيع بينهم لتكون أكثر هدوءًا وخصوصية.
وفي الوقت الحاضر، نشط سوق تأجير بيوت العطلات، مما أتاح لعدد أكبر من الناس فرصة الاستمتاع بمزايا الحياة الريفية.
ولم يعد بيت الصيف حكرًا على السويديين وحدهم؛ إذ تُظهر الإحصاءات أن نحو 6% من بيوت العطلات في السويد مملوكة لأجانب.
البيت الصيفي… بنسخته مُصغّرة
بالنسبة للكثير من سكان المدن الذين يشتهون رائحة الأرض واستنشاق الزهور، لكنهم لا يملكون القدرة على امتلاك بيت صيفي، تُمثّل الحدائق المخصصة (Kolonilotter)، حلاً مثاليًا وميسورًا. فهي تمنحهم فرصة لامتلاك مساحة خضراء صغيرة يزرعون فيها الخضروات، أو يستمتعون بالهدوء بين الأشجار والزهور.
تنتشر جمعيات الحدائق المخصصة في مختلف أنحاء السويد، وغالبًا ما تكون قوائم الانتظار طويلة للحصول على إحداها. بعضها مجرد قطعة أرض صغيرة للزراعة، بينما تأتي أخرى مزودة ببيت صغير. صحيح أن هذه البيوت لا تُستخدم للسكن الدائم، لكنها تصلح تمامًا كبيوت صيفية مصغّرة خلال أشهر الصيف.
وما يميز هذه الحدائق أنها لا تخدم فقط هواة الزراعة، بل تساهم أيضًا في دعم التنوع البيولوجي في المدن؛ إذ تتيح لتنوع كبير من الكائنات والأنواع أن تزدهر وسط وفرة النباتات في بيئة الزراعة الحضرية.