كاتدرائية سكارا
منظر جوي لكاتدرائية سكارا، التي تعود جذورها إلى القرن الحادي عشر. الصورة: Per Pixel Petersson/imagebank.sweden.se

الدين في السويد

دولة ذات نظام حكم عَلماني ولكن لا يزال للدين دورًا في المجتمع.

فصل الكنيسة عن الدولة

تتبع «كنيسة السويد»، واسمها باللغة السويدية «سفينسكا شيركَن» المذهب الإنجيلي اللوثري، ومقرّ أمانتها العامة في مدينة أوبسالا، حيث مركز كنيسة السويد منذ القرون الوسطى. انفصلت كنيسة السويد عن الدولة في عام 2000، ويعني هذا أن الدولة ليس لها ديانة رسمية. وفي حين إن معظم دول العالم لا تدين بديانة رسمية، فإن السويد في الواقع هو البلد الوحيد في شمال أوروبا الذي لا يتبع أي كنيسة رسمية، إذ آثرت النرويج والدنمارك وأيسلندا وفنلندا الاحتفاظ بدين للدولة.

حوالي 53 في المائة من سكان السويد أعضاء في كنيسة السويد، غير أن أعدادًا غير مسبوقة من السويديين توقفوا عن الانتماء رسميًا إلى الكنيسة على مدى العقدين الأخيرين، ومن المتوقع أن يستمر انخفاض عدد أعضاء الكنيسة مع امتناع الشباب عن الانخراط في عضويتها محل من يغادرها من كبار السن. وتشير الدراسات المسحية إلى انخفاض عدد السويديين الذي يشاركون بشكل منتظم في أي نوع من الشعائر الدينية.

الدين: طقوس وشعائر

تبرز المظاهر التي تشير إلى استمرار وجود الدين والدولة في حياة الكثير من السويديين في إطار المناسبات التي تتضمن طقوسًا وشعائر تقليدية. أهم هذه الطقوس هي التعميد والزفاف والجنازات. ويتضمن الاحتفال بالتقاليد السويدية الثقافية القوية إقامة قداس وغناء التراتيل في الكنيسة، مثل الاحتفال بعيد لوسيا.

يظهر استمرار وجود التراث الديني للسويد كذلك في العديد من العُطل المسيحية التي لا تزال متواجدة في التقويم السويدي. فعيد الغطاس، وعيد الصعود، وعيد العنصرة، وعيد جميع القديسين لا تزال جميعها عطل رسمية في السويد، فضلًا عن الأيام المرتبطة بعيد الفصح.

ومثل بقية العالم الغربي، تحتفل السويد بعيد الميلاد المجيد وفق التقاليد المسيحية، فيبدأ العد العكسي مع أول يوم من أيام زمن مجيء المسيح، ويسمّى الأدفنت، فمعه تبدأ فترة الأعياد وتستمر إلى يوم عشية عيد الميلاد. وبغض النظر عن مدى علمانية السويد الحديثة، هذه العطل تبقى موضع ترحيب المتدينين وغير المتدينين من السويديين.

أحد أقل البلاد تدينًا في العالم

بغض النظر عن تمسك السويديين ببعض الطقوس الدينية، فإن السويد بلد علماني إلى درجة كبيرة، ويعتبر تقريبًا نصف السويديين أن الدين «ليس مهمًا على الإطلاق» وفقًا لاستطلاع أجراه مركز بيو للدراسات. ما يتبين هو أن السويد أحد أقل البلدان تدينًا في العالم، إلى جانب بلدان أخرى مثل جمهورية التشيك، وفرنسا، واليابان، وأستراليا، والمملكة المتحدة، وهولندا. ففي صفوف السويديين، شخصان من أصل عشرة أشخاص يقولون أن الدين «مهمٌ نوعًا ما» أو "«مهم جدًا»، مقارنة بسبعة من أصل كل عشرة أمريكيين.

ولا يشعر جميع السويديين بالراحة مع الدور الثقافي البارز الذي تؤديه الكنيسة أحيانًا، ويفضل الكثير من الناس اللجوء إلى مراسم بديلة محل الشعائر الدينية التقليدية. على سبيل المثال، يترواح عدد الأعراس التي تتولى تأديتها كنيسة السويد 23 في المائة فقط، في حين كان هذا الرقم يصل إلى 80 في المائة في السبعينات من القرن الماضي.

يحتفل البعض كذلك بمناسبة تسمية أطفالهم من خلال مراسم غير دينية، بهدف الاحتفال بقدوم طفل جديد مع تجنّب الصبغة الدينية لاحتفال العمّاد.

الديانات الأخرى الكبرى في السويد

في حين تتراجع العضوية في كنيسة السويد، شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في أعداد المنتمين إلى عضوية الكنائس والديانات الأخرى. لكن تجدر الإشارة إلى أن الأرقام المتعلقة بالانتماءات الدينية في السويد ليست سوى تقديرات حيث يحظر القانون السويدي تسجيل الأشخاص على أساس ديانتهم.

بالإضافة إلى كنيسة السويد، أبرز الكنائس المسيحية هي ما يسمى بالكنائس الحرة، وهي كنائس بروتستانتية لكنها مستقلة عن كنيسة السويد، وهذه الكنائس يغلب عليها الطابع الإنجيلي والخمسيني والميثودي والمعمداني.

ويقدر عدد أعضاء الطائفة اليهودية في السويد بحوالي 15 إلى 20 ألف شخص. وفي السويد خمس أقليات رسمية، ويمثل اليهود واحدة منهم، وكذلك اللغة اليديشية واحدة من لغات الأقلية المعترف بها.

ويشكل المسلمون حاليًا أكبر مجموعة دينية غير مسيحية في السويد.

بالإضافة إلى ما سبق، ساهمت ارتفاع الهجرة إلى السويد في زيادة التنوع الديني. على سبيل المثال، تشير الكنيسة الكاثوليكية في السويد إلى ارتفاع عدد أعضائها وتنسب ذلك إلى المهاجرين. كما يوجد في السويد العديد من الكنائس الأرثوذوكسية من شرق أوروبا ومن الشرق الأوسط، وأكبرها الكنيسة الأرثوذوكسية الصربية والكنيسة الأرثوذوكسية السريانية.

منظر داخلي لمعبد يهودي.

تم افتتاح معبد غوتنبرغ عام 1855.
الصورة: Sofia Sabel/imagebank.sweden.se

جامع ستوكهولم

تم افتتاح مسجد ستوكهولم في سوديرمالم في وسط ستوكهولم في عام 2000.
الصورة: Cecilia Larsson Lantz/Imagebank.sweden.se

Confirmation

اعتاد السويديون أن يبدأوا في الكنيسة اللوثرية من خلال طقس المعمودية. وفي عام 2022، تم تعميد أقل من خُمس عدد الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا.
الصورة: Simon Paulin/imagebank.sweden.se

منظر داخلي لمعبد يهودي.

تم افتتاح معبد غوتنبرغ عام 1855.
الصورة: Sofia Sabel/imagebank.sweden.se

جامع ستوكهولم

تم افتتاح مسجد ستوكهولم في سوديرمالم في وسط ستوكهولم في عام 2000.
الصورة: Cecilia Larsson Lantz/Imagebank.sweden.se

Confirmation

اعتاد السويديون أن يبدأوا في الكنيسة اللوثرية من خلال طقس المعمودية. وفي عام 2022، تم تعميد أقل من خُمس عدد الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا.
الصورة: Simon Paulin/imagebank.sweden.se

منظر داخلي لمعبد يهودي.

تم افتتاح معبد غوتنبرغ عام 1855.
الصورة: Sofia Sabel/imagebank.sweden.se

جامع ستوكهولم

تم افتتاح مسجد ستوكهولم في سوديرمالم في وسط ستوكهولم في عام 2000.
الصورة: Cecilia Larsson Lantz/Imagebank.sweden.se

Confirmation

اعتاد السويديون أن يبدأوا في الكنيسة اللوثرية من خلال طقس المعمودية. وفي عام 2022، تم تعميد أقل من خُمس عدد الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا.
الصورة: Simon Paulin/imagebank.sweden.se

اليهودية في السويد

عندما بدأ اليهود في الاستيطان في السويد في نهاية القرن السابع عشر، تم إجبارهم على التحول إلى المسيحية، وبشكل أكثر تحديدًا اللوثرية. في نهاية القرن الثامن عشر، قدم إلى السويد من ألمانيا رجل يهودي يُدعى هارون إسحاق إسحاق لتأسيس جماعة يهودية في ستوكهولم. وفي عام 1870، مُنح اليهود حقوقهم المدنية الكاملة.

خلال القرن العشرين، هاجر العديد من اليهود إلى السويد من روسيا وألمانيا والنرويج والدنمارك والمجر وتشيكوسلوفاكيا السابقة وبولندا.

على خلفية الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، اعترف البرلمان السويدي في عام 1999 باليهود وقومية سامي وشعب الروما والفنلنديين السويديين والتورنيدال كأقليات قومية رسمية. كما تم الاعتراف باللغة اليديشية كواحدة من خمس لغات الأقليات الرسمية في السويد

تشمل التجمعات والمعابد اليهودية اليوم الفروع الثلاثة الرئيسية لليهودية الغربية: الإصلاحي والمحافظ والأرثوذكسي.

الإسلام في السويد

منذ منتصف القرن العشرين، تزايد عدد المسلمين في السويد، وذلك بشكل رئيسي بسبب الهجرة من دول جنوب شرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي.

واليوم، توجد حوالي عشر منظمات دينية إسلامية مختلفة على المستوى الوطني، إلى جانب عدة مئات من التجمعات المحلية في جميع أنحاء السويد، تمثل الفروع المذهبية المختلفة (على سبيل المثال، الشيعة والسنة، والأحمدية، ومختلف الفروع الصوفية).

توجد في السويد بعض المساجد، ولكن هناك أيضًا العديد من أماكن الصلاة الأخرى المتاحة في بعض المباني.

موارد الكنيسة المالية وتقديم العون للديانات

تجمع كنيسة السويد من أعضائها رسومًا تعينها في تمويل أنشطتها المحلية والدولية. هذه الرسوم تعادل في الوقت الحالي حوالي 1% من الدخل كل عضو. وتشمل أولويات إنفاق الكنيسة الحفاظ على مباني الكنيسة وترميمهنا، ويصل عددها إلى 3700 مبنى في جميع أرجاء السويد.

تبلغ أصول كنيسة السويد المالية حوالي 45 مليار كرونة سويدية، تمثل أغلبها المباني والأراضي. والتزامًا من الكنيسة بالأعراف السويدية المتمثلة في شفافية المنظمات والمؤسسات العامة وانفتاحها، بإمكان العامة الاطلاع عن قرب على أنشطة كنيسة السويد ومواردها المالية التي تصدر بانتظام في تقرير الكنيسة السنوي (باللغة السويدية) .

يمكن للطوائف الدينية الأخرى أن تتلقى دعمًا من الدولة من خلال الوكالة السويدية لدعم الطوائف الدينية الدعم المالي التي تختص بمساعدة المجتمعات الدينية غير كنيسة السويد. ويهدف هذا الدعم إلى مساعدة هذه ال على ضمان استمرارية أنشطتها وخدماتها.

طقس رسامة كهنة جدد في أحد كنائس مدينة لوند.
الصورة: Camilla Lindskog/Ikon/Church of Sweden

كنيسة السويد والمساواة

في عام 1960، رُسِمَت أولى النساء القساوسة في كنيسة السويد، واليوم تمثّل النساء نصف عدد القساوسة. كما أن أغلبية من يتابع الدراسات اللازمة للالتحاق بسلك الكهنوتية هن من النساء. في عام 2014 وحتى عام 2022، أصبحت آنته ياكيلين أول امرأة تشغل منصب رئيس أساقفة أوبسالا. يعني هذا أنها عيّنت على رأس كنيسة السويد، ومثلتها محليًا ودوليًا.

المساواة ركن أساسي من أركان المجتمع السويدي، وكنيسة السويد لطالما واكبت توجه المجتمع نحو الليبرالية بدلاً من الوقوف كعائق في وجه التغيرات الاجتماعية. على سبيل المثال، شرعت السويد في عام 2009 زواج المثليين، وقررت الكنيسة في ذات العام البدء في إقامة مراسم الزواج للمثليين.

من عبادة الآلهة النورسية إلى اعتناق المسيحية الكاثوليكية

غالبًا ما يتم تتبع بداية ممارسة النشاط الديني في السويد إلى الديانة الاسكندنافية القديمة (النورسية) ما قبل وصول الديانة المسيحية. المعتقدات النورسية التي كانت سائدة آنذاك شكلت الأساس لنظام ثقافي شامل، وإن لم تشكل ديانة منظمة. تمحورت ممارسة المعتقدات النورسية بطقوسها، ومن ضمن هذه الطقوس التضحية بالحيوانات، وأحيانًا حتى بالبشر! لدى إقامة هذه الطقوس، كان يتم تقاسم الطعام والشراب مع الآلهة والتماس بشائر للمزيد من الازدهار. لربما أشهر إلهين نورسيين هما أودِن وثور، حيث كان الأول مسؤولاً عن الحروب والثاني يتحكم بكل ما له علاقة بالسماء.

استمر انتشار المعتقدات النورسية إلى القرن الثاني عشر، وكان السويد آخر بلد اسكندنافي يتحول إلى المسيحية على يد المبشرين الكاثوليكيين. في عام 1164، أصبحت السويد بشكل رسمي مقاطعة مسيحية تابعة للكنيسة الكاثوليكية وترسخ بذلك المذهب الكاثوليكي. حصة السويد من القديسين ليست بالقليلة، وأشهرهم القديسة بريجيتا السويدية. تمسك السويديون بديانتهم الجديدة لدرجة أنهم انطلقوا حتى في حملاتهم الخاصة على غرار الحملات الصليبية الكاثوليكية سعيًا إلى تنصير فنلندا وغيرها من دول بحر البلطيق.

ومن هيمنة البروتستانتية، وصولًا إلى الحرية الدينية

اعتناق السويديين للكاثوليكية في أواخر القرون الوسطى وتمسكهم بها لم يمنع البلاد من التحول لاحقًا إلى معقل من معاقل البروتستانتية، وبنهاية القرن السادس عشر، كانت السويد قد تحولت بشكل كامل من الكاثوليكية إلى البروتستانتية. وخلال الفترة التي تلت ذلك، ارتبطت السويد بشكل وثيق مع الكنيسة اللوثرية وفرضت العقوبات على المعتقدات الخارجة عن المعتقدات التي تقرها الدولة، لدرجة أن عقوبة الارتداد إلى الكنيسة الكاثوليكية كانت النفي. حتى أن الملك غوستاف الثاني أدولف في القرن السابع عشر قاد السويد للاشتراك في حرب الثلاثين عامًا في ألمانيا بحجة الدفاع عن العقيدة البروتستانتية.

على الرغم من ماضي البلاد المتشدد، تغير حال السويد اليوم وباتت تحبّذ الحرية الدينية. وتم تكريس حرية الدين في القانون السويد منذ عام 1951، كما تشير الدراسات إلى أن الأغلبية العظمى في السويد اليوم تؤيد تمتع الجميع بحق ممارسة معتقداتهم الدينية بحرية.

هذه هي السويد، المتمسكة بالتقاليد والمنفتحة على الأفكار الجديدة، الدولة التي تبنّت العلمانية مع احترامها للمعتقدات الدينية، تتسم بالتسامح وإن كانت لا تخلو من التحديات.